الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
أي باب صلاة المسافر؛ لأن الكلام في أبواب الصلاة، ولا شك أن السفر عارض مكتسب كالتلاوة وإلا أن التلاوة عارض هو عبادة في نفسه إلا بعارض بخلاف السفر إلا بعارض فلذا أخر هذا الباب عن ذاك والسفر لغة قطع المسافة من غير تقدير بمدة؛ لأنه عبارة عن الظهور؛ ولهذا حمل أصحابنا رحمهم الله قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس على الفقير والمسافر أضحية» على الخروج من بلد أو قرية حتى سقط الأضحية بذلك القدر كذا في المجتبى، وذكر في غاية البيان والسراج الوهاج أن من الأحكام التي تغيرت بالسفر الشرعي سقوط الأضحية وجعله كالقصر وظاهره أنها لا تسقط إلا بالسفر الشرعي وسيأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى - في محله، والإضافة في صلاة المسافر إضافة الشيء إلى شرطه والفعل إلى فاعله. (قوله: من جاوز بيوت مصره مريدا سيرا وسطا ثلاثة أيام في بر أو بحر أو جبل قصر الفرض الرباعي) بيان للموضع الذي يبتدأ فيه القصر ولشرط القصر ومدته وحكمه أما الأول فهو مجاوزة بيوت المصر لما صح عنه عليه السلام: «أنه قصر العصر بذي الحليفة» وعن علي أنه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا ثم قال: إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين والخص بالخاء المعجمة والصاد المهملة بيت من قصب كذا ضبطه في السراج الوهاج ويدخل في بيوت المصر ربضه، وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن ويقال لحرم المسجد ربض أيضا وظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر، وفيه اختلاف وظاهر المجتبى ترجيح عدم الاشتراط، وهو الذي يفيده كلام أصحاب المتون كالهداية أيضا وجزم في فتح القدير بالاشتراط واعترض به على الهداية وصحح قاضي خان في فتاويه أنه لا بد من مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر بخلاف القرية المتصلة بفناء المصر فإنه يعتبر مجاوزة الفناء لا القرية، ولم يذكر المصنف مجاوزة الفناء للاختلاف وفصل قاضي خان في فتاواه فقال: إن كان بينه وبين المصر أقل من قدر غلوة، ولم يكن بينهما مزرعة يعتبر مجاوزة الفناء أيضا، وإن كانت بينهما مزرعة أو كانت المسافة بينه وبين المصر قدر غلوة يعتبر مجاوزة عمران المصر ا هـ. وأطلق في المجاوزة فانصرفت من الجانب الذي خرج منه، ولا يعتبر مجاوزة محلة بحذائه من الجانب الآخر، فإن كانت في الجانب الذي خرج منه محلة منفصلة عن المصر، وفي القديم كانت متصلة بالمصر لا يقصر الصلاة حتى يجاوز تلك المحلة كذا في الخلاصة، وذكر في المجتبى أن قدر الغلوة ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة، وهو الأصح وفي المحيط وكذا إذا عاد من سفره إلى مصر لم يتم حتى يدخل العمران، وأما الثاني فهو أن يقصد مسيرة ثلاثة أيام فلو طاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة ثلاثة أيام لا يترخص، وعلى هذا قالوا: أمير خرج مع جيشه في طلب العدو، ولم يعلم أين يدركهم فإنهم يصلون صلاة الإقامة في الذهاب، وإن طالت المدة وكذلك المكث في ذلك الموضع أما في الرجوع، فإن كانت مدة سفر قصروا، وعلى اعتبار القصد تفرع في صبي ونصراني خرجا قاصدين مسيرة ثلاثة أيام ففي أثنائها بلغ الصبي وأسلم الكافر يقصر الذي أسلم فيما بقي ويتم الذي بلغ لعدم صحة القصد والنية من الصبي حين أنشأ السفر بخلاف النصراني والباقي بعد صحة النية أقل من ثلاثة أيام وسيأتي أيضا، وإنما اكتفى بالنية في الإقامة واشترط العمل معها في السفر لما أن في السفر الحاجة إلى الفعل، وهو لا يكفيه مجرد النية ما لم يقارنها عمل من ركوب أو مشي كالصائم إذا نوى الإفطار لا يكون مفطرا ما لم يفطر، وفي الإقامة الحاجة إلى ترك الفعل، وفي الترك يكفي مجرد النية كعبد التجارة إذا نواه للخدمة وأشار المصنف إلى أن النية لا بد أن تكون قبل الصلاة؛ ولذا قال في التجنيس إذا افتتح الصلاة في السفينة حال إقامته في طرف البحر فنقلها الريح، وهو في السفينة ونوى السفر يتم صلاة المقيم عند أبي يوسف خلافا لمحمد؛ لأنه اجتمع في هذه الصلاة ما يوجب الأربع وما يمنع فرجحنا ما يوجب الأربع احتياطا ا هـ. وفيه أيضا ومن حمل غيره ليذهب معه والمحمول لا يدري أين يذهب معه فإنه يتم الصلاة حتى يسير ثلاثا؛ لأنه لم يظهر المغير وإذا سار ثلاثا فحينئذ قصر؛ لأنه وجب عليه القصر من حين حمله، ولو كان صلى ركعتين من يوم حمل وسار به مسيرة ثلاثة أيام فإن صلاته تجزئه، وإن سار به أقل من مسيرة ثلاثة أيام أعاد كل صلاة صلاها ركعتين؛ لأنه تبين أنه صلى صلاة المسافرين، وهو مقيم، وفي الوجه الأول تبين أنه مسافر ا هـ. ففي هذه المسألة يكون مسافرا بغير قصد، وهو غير مشكل لما سيأتي أن الاعتبار بنية المتبوع لا التابع، وأما التقدير بثلاثة أيام فهو ظاهر المذهب، وهو الصحيح لإشارة قوله صلى الله عليه وسلم: «يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام» عم الرخصة الجنس، ومن ضرورته عموم التقدير، وتمام تحقيقه في فتح القدير والمراد باليوم النهار دون الليل؛ لأن الليل للاستراحة فلا يعتبر والمراد ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة وهل يشترط سفر كل يوم إلى الليل اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يشترط حتى لو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال ثم في اليوم الثاني كذلك ثم في اليوم الثالث كذلك فإنه يصير مسافرا؛ لأن المسافر لا بد له من النزول لاستراحة نفسه ودابته فلا يشترط أن يسافر من الفجر إلى الفجر؛ لأن الآدمي لا يطيق ذلك، وكذلك الدواب فألحقت مدة الاستراحة بمدة السفر لأجل الضرورة كذا في السراج الوهاج وبه اندفع ما في فتح القدير؛ لأن أقل اليوم إذا كان ملحقا بأكثره للضرورة لم يكن فيه مخالفة للحديث المفيد للثلاثة كما أن الليل للاستراحة، وهو مذكور في الحديث وأشار المصنف إلى أنه لا اعتبار بالفراسخ، وهو الصحيح؛ لأن الطريق لو كان وعرا بحيث يقطع في ثلاثة أيام أقل من خمسة عشر فرسخا قصر بالنص، وعلى التقدير بها لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة، وفي النهاية الفتوى على اعتبار ثمانية عشر فرسخا، وفي المجتبى فتوى أكثر أئمة خوارزم على خمسة عشر فرسخا ا هـ. وأنا أتعجب من فتواهم في هذا وأمثاله بما يخالف مذهب الإمام خصوصا المخالف للنص الصريح وفي فتاوى قاضي خان أن الرجل إذا قصد بلده وإلى مقصده طريقان: أحدهما مسيرة ثلاثة أيام ولياليها، والآخر دونها فسلك الطريق الأبعد كان مسافرا عندنا ا هـ. وإن سلك الأقصر يتم وهذا جواب واقعة الملاحين بخوارزم فإن من الجرجانية إلى مدانق اثني عشر فرسخا في البر، وفي جيحون أكثر من عشرين فرسخا فجاز لركاب السفينة والملاحين القصر والإفطار فيه صاعدا ومنحدرا كذا في المجتبى وذكر الإسبيجابي المقيم إذا قصد مصرا من الأمصار، وهو ما دون مسيرة ثلاثة أيام لا يكون مسافرا، ولو أنه خرج من ذلك المصر الذي قصد إلى مصر آخر، وهو أيضا أقل من ثلاثة أيام فإنه لا يكون مسافرا، وإن طاف آفاق الدنيا على هذا السبيل لا يكون مسافرا ا هـ. وفي السراج الوهاج إذا كانت المسافة ثلاثة أيام بالسير المعتاد فسار إليها على البريد سيرا مسرعا أو على الفرس جريا حثيثا فوصل في يومين قصر ا هـ. والمراد بسير البر والجبل أن يكون بالإبل ومشي الأقدام والمراد بالإبل إبل القافلة دون البريد وأما السير في البحر فيعتبر ما يليق بحاله، وهو أن يكون مسافة ثلاثة فيه إذا كانت تلك الرياح معتدلة، وإن كانت تلك المسافة بحيث تقطع في البر في يوم كما في الجبل يعتبر كونها من طريق الجبل بالسير الوسط ثلاثة أيام، وإن كانت تقطع من طريق السهل بيوم، فالحاصل أن تعتبر المدة من أي طريق أخذ فيه؛ ولهذا عمم المصنف رحمه الله وخرج سير البقر بجر العجلة ونحوه؛ لأنه أبطأ السير كما أن أسرعه سير الفرس والبريد والوسط ما ذكرنا، وفي البدائع ثم يعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه وأما الثالث أعني حكم السفر فهو تغيير بعض الأحكام فذكر المصنف منها قصر الصلاة والمراد وجوب قصرها حتى لو أتم فإنه آثم عاص؛ لأن الفرض عندنا من ذوات الأربع ركعتان في حقه لا غير ومن مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة وإلا كمال رخصة قال في البدائع وهذا التقليب على أصلنا خطأ؛ لأن الركعتين في حقه ليستا قصرا حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر وإلا كمال ليس رخصة في حقه بل إساءة ومخالفة للسنة ولأن الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الأصلي بعارض إلى تخفيف ويسر، ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا إذ الصلاة في الأصل فرضت ركعتين في حق المقيم والمسافر ثم زيدت ركعتين في حق المقيم كما روته عائشة رضي الله عنها فانعدم معنى التغيير في حقه أصلا، وفي حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر، والرخصة تنبئ عن ذلك فلم يكن ذلك رخصة حقيقة في حق المقيم أيضا، ولو سمى فإنما هو مجاز لوجود بعض معاني الحقيقة، وهو التغيير ا هـ. فعلى هذا لو قال في جواب الشرط صلى الفرض الرباعي ركعتين لكان أولى وقيد بالفرض؛ لأنه لا قصر في الوتر والسنن واختلفوا في ترك السنن في السفر فقيل: الأفضل هو الترك ترخيصا وقيل الفعل تقربا وقال الهندواني: الفعل حال النزول والترك حال السير، وقيل يصلي سنة الفجر خاصة، وقيل سنة المغرب أيضا، وفي التجنيس والمختار أنه إن كان حال أمن وقرار يأتي بها؛ لأنها شرعت مكملات والمسافر إليه محتاج، وإن كان حال خوف لا يأتي بها؛ لأنه ترك بعذر ا هـ. وقيد بالرباعي؛ لأنه لا قصر في الفرض الثنائي والثلاثي فالركعات المفروضة حال الإقامة سبع عشرة وحال السفر إحدى عشرة، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد إذا قال لنسائه من لم يدر منكن كم ركعة فرض يوم وليلة فهي طالق فقالت: إحداهن عشرون ركعة والأخرى سبعة عشر ركعة والأخرى خمس عشرة والأخرى إحدى عشرة لا تطلق واحدة منهن أما السبعة عشر لا يشكل ومن قالت عشرون ركعة فقد ضمت الوتر إليها، ومن قالت خمس عشرة فيوم الجمعة، ومن قالت إحدى عشرة ففرض المسافر ا هـ. أطلق الإرادة فشملت إرادة الكافر قال في الخلاصة: صبي ونصراني خرجا إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فلما سارا يومين أسلم النصراني وبلغ الصبي فالنصراني يقصر الصلاة فيما بقي من سفره والصبي يتم الصلاة بناء على أن نية الكافر معتبرة، وهو المختار، والإمام الجليل الفضلي سوى بينهما يعني كلاهما يتمان الصلاة ا هـ. (قوله: فلو أتم وقعد في الثانية صح وإلا لا) أي، وإن لم يقعد على رأس الركعتين لم يصح فرضه؛ لأنه إذا قعد فقد تم فرضه وصارت الأخريات له نفلا كالفجر وصار آثما لتأخير السلام، وإن لم يقعد فقد خلط النفل بالفرض قبل إكماله وأشار إلى أنه لا بد أن يقرأ في الأوليين فلو ترك فيهما أو في إحداهما وقرأ في الأخريين لم يصح فرضه وهذا كله إن لم ينو الإقامة، فإن نواها قال الإسبيجابي لو صلى المسافر ركعتين وقرأ فيهما وتشهد ثم نوى الإقامة قبل التسليم أو بعدما قام إلى الثالثة قبل أن يقيدها بسجدة فإنه يتحول فرضه إلى الأربع إلا أنه يعيد القيام والركوع؛ لأنه فعله بنية التطوع فلا ينوب عن الفرض وهو مخير في القراءة فلو قيدها بسجدة ثم نواها لم يتحول فرضه ويضيف إليها أخرى، ولو أفسدها لا شيء عليه، ولو لم يتشهد وقام إلى الثالثة ثم نوى الإقامة تحول فرضه أربعا اتفاقا، فإن لم يقم صلبه عاد إلى التشهد، وإن أقامه لا يعود وهو مخير في القراءة، ولو قام إلى الثالثة ثم نوى قبل السجدة تحول الفرض ويعيد القيام والركوع، ولو قيد بالسجدة فقد تأكد الفساد فيضيف أخرى فتكون الأربع تطوعا على قولهما خلافا لمحمد فعنده لا تنقلب بعد الفساد تطوعا، ولو ترك القراءة وأتى بالتشهد ثم نوى الإقامة قبل أن يسلم أو قام إلى الثالثة ثم نوى الإقامة قبل أن يقيدها بالسجدة فإنه يتحول إلى الأربع ويقرأ في الأخريين قضاء عن الأوليين، ولو قيد الثالثة بسجدة ثم نوى فسدت اتفاقا ويضيف رابعة لتكون تطوعا عندهما ا هـ. (قوله: حتى يدخل مصره أو ينوي الإقامة نصف شهر في بلد أو قرية) متعلق بقوله قصر أي قصر إلى غاية دخول المصر أو نية الإقامة في موضع صالح للمدة المذكورة فلا يقصر، أطلق في دخول مصره فشمل ما إذا نوى الإقامة به أو لا، وشمل ما إذا كان في الصلاة كما إذا سبقه حدث، وليس عنده ماء فدخله للماء إلا اللاحق إذا أحدث ودخل مصره ليتوضأ لا يلزمه الإتمام، ولا يصير مقيما بدخوله المصر كذا في الفتاوى الظهيرية وشمل ما إذا كان سار ثلاثة أيام أو أقل لكن المذكور في الشرح أنه يتم إذا سار أقل بمجرد العزم على الرجوع، وإن لم يدخل مصره؛ لأنه نقض للسفر قبل الاستحكام إذ هو يحتمل النقض قال في فتح القدير وقياسه أن لا يحل فطره في رمضان إذا كان بينه وبين بلده يومان، وفي المجتبى لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة أو دخول الوطن أو الرجوع قبل الثلاثة ا هـ. والمذكور في الخانية والظهيرية وغيرهما أنه إذا رجع لحاجة نسيها ثم تذكرها، فإن كان له وطن أصلي يصير مقيما بمجرد العزم على الرجوع، وإن لم يكن له وطن أصلي يقصر ا هـ. والذي يظهر أنه لا بد من دخول المصر مطلقا؛ لأن العلة مفارقة البيوت قاصدا مسيرة ثلاثة أيام لا استكمال سفر ثلاثة أيام بدليل ثبوت حكم السفر بمجرد ذلك فقد تمت العلة لحكم السفر فيثبت حكمه ما لم تثبت علة حكم الإقامة وروى البخاري تعليقا أن عليا خرج فقصر، وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له: هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها يريد أنه صلى ركعتين والكوفة بمرأى منهم فقيل له إلى آخره وقيد بنية الإقامة؛ لأنه لو دخل بلدا، ولم ينو أنه يقيم فيها خمسة عشر يوما، وإنما يقول غدا أخرج أو بعد غد أخرج حتى بقي على ذلك سنين قصر، وفي المجتبى والنية إنما تؤثر بخمس شرائط أحدها ترك السير حتى لو نوى الإقامة، وهو يسير لم يصح وثانيها صلاحية الموضع حتى لو أقام في بحر أو جزيرة لم تصح واتحاد الموضع والمدة والاستقلال بالرأي ا هـ. وأطلق النية فشمل الحكمة كما لو وصل الحاج إلى الشام وعلم أن القافلة إنما تخرج بعد خمسة عشر يوما وعزم أن لا يخرج إلا معهم لا يقصر؛ لأنه كناوي الإقامة كذا في المحيط وشمل ما إذا نواها في خلال الصلاة في الوقت فإنه يتم سواء كان في أولها أو وسطها أو في آخرها وسواء كان منفردا أو مقتديا أو مدركا أو مسبوقا أما اللاحق إذا أدرك أول الصلاة، والإمام مسافر فأحدث أو نام فانتبه بعد فراغ الإمام ونوى الإقامة لم يتم؛ لأن اللاحق في الحكم كأنه خلف الإمام فإذا فرغ الإمام فقد استحكم الفرض فلا يتغير في حق الإمام فكذا في حق اللاحق، ولو نواها بعد ما صلى ركعة ثم خرج الوقت فإنه يتحول فرضه إلى الأربع، ولو خرج الوقت، وهو في الصلاة فنوى الإقامة فإنه لا يتحول فرضه إلى الأربع في حق تلك الصلاة كذا في الخلاصة وقيد بنصف شهر؛ لأن نية إقامة ما دونها لا توجب الإتمام لما روي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قدراها بذلك والأثر في المقدرات كالخبر وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة مع أصحابه سبعة أيام، وهو يقصر وقيد بالبلد والقربة؛ لأن نية الإقامة لا تصح في غيرهما فلا تصح في مفازة، ولا جزيرة ولا بحر، ولا سفينة، وفي الخانية والظهيرية والخلاصة ثم نية الإقامة لا تصح إلا في موضع الإقامة ممن يتمكن من الإقامة وموضع الإقامة العمران والبيوت المتخذة من الحجر والمدر والخشب لا الخيام والأخبية والوبر ا هـ. وقيد الشارحون اشتراط صلاحية الموضع بأن يكون سار ثلاثة أيام فصاعدا أما إذا لم يسر ثلاثة أيام فلا يشترط أن تكون الإقامة في بلد أو قرية بل تصح، ولو في المفازة وفيه من البحث ما قدمناه وقول المصنف حتى يدخل مصره أولى من قول صاحب المجمع إلى أن يدخل وطنه؛ لأن الوطن مكان الإنسان ومحله كما في المغرب، وليس الإتمام متوقفا على دخوله بل على دخول مصره، وإن لم يدخل وطنه ويصير المصر مصرا للإنسان بكونه ولد فيه واختلفوا فيما إذا دخل المسافر مصرا و تزوج بها والظاهر أنه يصير مقيما لحديث عمر رضي الله عنه ولقوله عليه الصلاة والسلام: «من تزوج في بلدة فهو منها» والمسافرة تصير مقيمة بنفس التزوج عندهم كذا في القنية. (قوله: لا بمكة ومنى) أي لو نوى الإقامة بمكة خمسة عشر يوما فإنه لا يتم الصلاة؛ لأن الإقامة لا تكون في مكانين إذ لو جازت في مكانين لجازت في أماكن فيؤدي إلى أن السفر لا يتحقق؛ لأن إقامة المسافر في المراحل لو جمعت كانت خمسة عشر يوما أو أكثر إلا إذا نوى أن يقيم بالليل في أحدهما فيصير مقيما بدخوله فيه؛ لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته يقال فلان يسكن في حارة كذا، وإن كان بالنهار في الأسواق ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لا يصير مسافرا وذكر في كتاب المناسك أن الحاج إذا دخل مكة في أيام العشر ونوى الإقامة نصف شهر لا يصح؛ لأنه لا بد له من الخروج إلى عرفات فلا يتحقق الشرط، وقيل كان سبب تفقه عيسى بن أبان هذه المسألة، وذلك أنه كان مشغولا بطلب الحديث قال فدخلت مكة في أول العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الإقامة شهرا وجعلت أتم الصلاة فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة فقال أخطأت فإنك تخرج إلى منى وعرفات فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج وعزمت على أن أصاحبه وجعلت أقصر الصلاة فقال لي صاحب أبي حنيفة أخطأت فإنك مقيم بمكة فما لم تخرج منها لا تصير مسافرا فقلت أخطأت في مسألة في موضعين فرحلت إلى مجلس محمد واشتغلت بالفقه قال في البدائع، وإنما أوردنا هذه الحكاية ليعلم مبلغ العلم فيصير مبعثة للطلبة على طلبه قيد بالمصرين ومراده موضعان صالحان للإقامة لا فرق بين المصرين أو القريتين أو المصر والقرية للاحتراز عن نية الإقامة في موضعين من مصر واحد أو قرية واحدة فإنها صحيحة؛ لأنهما متحدان حكما، ألا ترى أنه لو خرج إليه مسافرا لم يقصر. (قوله: وقصر إن نوى أقل منها أو لم ينو وبقي سنين) أي أقل من نصف شهر، وقد قدمنا تقريره. (قوله: أو نوى عسكر ذلك بأرض الحرب وإن حاصروا مصرا و حاصروا أهل البغي في دارنا في غيره) معطوف على قوله نوى أقل منه أي وقصر إن نوى عسكر نصف شهر بأرض الحرب ولا فرق بين أن يكون العسكر مشغولين بالقتال أو المحاصرة، ولا فرق في المحاصرة بين أن تكون للمدينة أو للحصن بعد أن دخلوا المدينة، ولا فرق بين أن يكون العسكر في أرض الحرب أو أرض الإسلام مع أهل البغي في غير المصر؛ لأن نية الإقامة في دار الحرب أو البغي لا تصح؛ لأن حالهم يخالف عزيمتهم للتردد بين القرار والفرار؛ ولهذا قال أصحابنا في تاجر دخل مدينة لحاجة، ونوى أن يقيم خمسة عشر يوما لقضاء تلك الحاجة لا يصير مقيما؛ لأنه متردد بين أن يقضي حاجته فيرجع وبين أن لا يقضي فيقيم فلا تكون نيته مستقرة كنية العسكر في دار الحرب، وهذا الفصل حجة على من يقول من أراد الخروج إلى مكان ويريد أن يترخص ترخص السفر ينوي مكانا أبعد منه وهذا غلط كذا ذكر التمرتاشي ا هـ. كذا في معراج الدراية، وعلى هذا واقعة الفتوى وهي أن إنسانا يحلف بالطلاق أنه يسافر في هذا الشهر فينوي مسيرة ثلاثة أيام ويقصد مكانا قريبا فهذا لم يكن مخلصا له لتعارض نيته إذ الأولى ليست بنية أصلا وأطلق في العسكر فشمل ما إذا كانت الشوكة لهم وقيد به؛ لأن من دخل دار الحرب بأمان فنوى إقامة نصف شهر فيها فإنه يتم أربعا؛ لأن أهل الحرب لا يتعرضون له لأجل الأمان كذا في النهاية وأشار إلى أن الأسير لو انفلت من أيدي الكفار وتوطن في غار ونوى الإقامة خمسة عشر يوما لم يصر مقيما كما لو علم أهل الحرب بإسلامه فهرب منهم يريد السفر ثلاثة أيام ولياليها لم تعتبر نيته كذا في الخلاصة وفي فتاوى قاضي خان وحكم الأسير في دار الحرب حكم العبد لا تعتبر نيته والرجل الذي يبعث إليه الوالي أو الخليفة ليؤتى به إليه فهو بمنزلة الأسير، وفي التجنيس عسكر المسلمين إذا دخلوا دار الحرب وغلبوا في مدينة إن اتخذوها دارا يتمون الصلاة، وإن لم يتخذوها دارا و لكن أرادوا الإقامة بها شهرا أو أكثر فإنهم يقصرون؛ لأنها في الوجه الثاني بقيت دار حرب وهم محاربون فيها، وفي الوجه الأول ا هـ. (قوله: بخلاف أهل الأخبية) حيث تصح منهم نية الإقامة في الأصح، وإن كانوا في المفازة؛ لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى آخر إلا إذا ارتحلوا عن موضع إقامتهم في الصيف وقصدوا موضع إقامتهم في الشتاء وبينهما مسيرة ثلاثة أيام فإنهم يصيرون مسافرين في الطريق وظاهر كلام البدائع أن أهل الأخبية مقيمون لا يحتاجون إلى نية الإقامة فإنه جعل المفاوز لهم كالأمصار والقرى لأهلها ولأن الإقامة للرجل أصل والسفر عارض وهم لا ينوون السفر، وإنما ينتقلون من ماء إلى ماء ومن مرعى إلى آخر ا هـ. والأخبية جمع خباء: البيت من صوف أو وبر، فإن كان من الشعر فليس بخباء كذا في ضياء الحلوم، وفي المغرب: الخباء الخيمة من الصوف ا هـ. والمراد هنا الأعم لما في البدائع من التسوية بين من يسكن في بيت صوف أو بيت شعر وقيد بأهل الأخبية؛ لأن غيرهم من المسافرين لو نوى الإقامة معهم فعن أبي يوسف روايتان وعند أبي حنيفة لا يصيرون مقيمين، وهو الصحيح كذا في البدائع، وفي المجتبى: والملاح مسافر إلا عند الحسن وسفينته أيضا ليست بوطن. (قوله: ولو اقتدى مسافر بمقيم في الوقت صح وأتم)؛ لأنه يتغير فرضه إلى الأربع للتبعية كما تتغير نية الإقامة لاتصال المغير بالسبب، وهو الوقت وفرض المسافر قابل للتغير حال قيام الوقت كنية الإقامة فيه وإذا كان التغيير لضرورة الاقتداء فلو أفسده صلى ركعتين لزواله بخلاف ما لو اقتدى بالمقيم في فرضه ينوي النفل حيث يصلي أربعا إذا أفسده؛ لأنه التزم أداء صلاة الإمام وهنا لم يقصد سوى إسقاط فرضه غير أنه تغير ضرورة متابعته ويستثنى من مسألة الكتاب ما لو اقتدى المقيم بالمسافر فأحدث الإمام فاستخلف المقيم فإنه لا يتغير فرضه إلى الأربع مع أنه صار مقتديا بالخليفة المقيم؛ لأنه لما كان المؤتم خليفة عن المسافر كان المسافر كأنه الإمام فيأخذ الخليفة صفة الأول حتى لو لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاة الكل ثم في اقتداء المسافر بالمقيم إذا لم يجلس الإمام قدر التشهد في الركعتين عامدا أو ساهيا وتابعه المسافر فقد قيل تفسد صلاة المسافر، وقيل لا تفسد كذا في السراج الوهاج والفتوى على عدم الفساد؛ لأن صلاته صارت أربعا بالتبعية كذا في التجنيس وصححه في القنية وأشار المصنف إلى أن الإمام المسافر لو نوى الإقامة لزم المأموم المسافر الإتمام، وإن لم ينو للتبعية فلو أم المسافر مسافرين ومقيمين فلما صلى ركعتين وتشهد فقبل أن يسلم تكلم واحد من المسافرين أو قام فذهب ثم نوى الإمام الإقامة فإنه يتحول فرضه وفرض المسافرين الذين لم يتكلموا إلى الأربع وصلاة من تكلم تامة فلو تكلم بعد نية الإمام الإقامة فسدت صلاته ولزمه صلاة المسافر ركعتين ذكره الإسبيجابي. (قوله: وبعده لا) أي بعد خروج الوقت لا يصح اقتداء المسافر بالمقيم؛ لأن فرضه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما لا يتغير بنية الإقامة فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة أو التحريمة كذا ذكر الشارح والمذكور في الهداية وغيرها في حق القعدة أو القراءة، ولم أر من ذكر التحريمة غير الشارح والحدادي وتوضيحه أن المسافر إذا اقتدى بالمقيم أول الصلاة فإن القعدة تصير فرضا في حق المأموم وغير فرض في حق الإمام، وهو المراد بالنفل في عبارتهم؛ لأنه ما قابل الفرض فيدخل فيه الواجب فإن القعدة الأولى واجبة، وإن اقتدى به في الشفع الثاني وكان الإمام قد قرأ في الشفع الأول فالقراءة في الشفع الثاني نافلة في حق الإمام فرض في حق المأموم، فإن كان الإمام صلى الشفع الأول بغير قراءة واقتدى به في الشفع الثاني ففيه روايتان كما في البدائع ومقتضى المتون عدم الصحة مطلقا ومقتضى التعليل في هذه المسألة الصحة؛ لأنه ليس اقتداء المفترض بالمتنفل لا في حق القعدة، ولا القراءة وأما التحريمة فهي لا تكون إلا فرضا، ولم يظهر قول الحدادي؛ لأن تحريمة الإمام اشتملت على الفرض لا غير وأجاب في المحيط عما إذا لم يقرأ في الأوليين وقرأ في الأخريين بأن القراءة في الأخريين قضاء عن الأوليين والقضاء يلتحق بمحله فلا يبقى للأخرين قراءة ا هـ. يعني: فلا يصح مطلقا وقيد في السراج الوهاج عدم صحة الاقتداء بعد الوقت بقيدين: الأول أن تكون فائتة في حق الإمام والمأموم الثاني أن تكون الصلاة رباعية أما إذا كانت ثنائية أو ثلاثية أو كانت فائتة في حق الإمام مؤداة في حق المأموم كما إذا كان المأموم يرى قول أبي حنيفة في الظهر والإمام يرى قولهما وقول الشافعي فإنه يجوز دخوله معه في الظهر بعد المثل قبل المثلين فإنها صحيحة. ا هـ. وهو تقييد حسن لكن الأولى أن يكون الشرط كونها فائتة في حق المأموم فقط سواء كانت فائتة في حق الإمام أو لا بأن صلى ركعة من الظهر مثلا أو ركعتين ثم خرج الوقت فاقتدى به مسافر؛ لأن الظهر فائتة في حق المسافر لا في حق المقيم والقيد الأول مفهوم من قوله صح وأتم فإنه يفيد أن الكلام في الرباعية الذي يظهر فيها القصر والإتمام بل لا حاجة إليه أصلا؛ لأن السفر مؤثر في الرباعي فقط وقيد بكون الاقتداء بعد خروج الوقت؛ لأنه لو اقتدى به في الوقت ثم خرج الوقت قبل الفراغ من الصلاة لا تبطل صلاته، ولا يبطل اقتداؤه به؛ لأنه لما صح اقتداؤه به وصار تبعا له صار حكمه حكم المقيمين، وإنما يتأكد وجوب الركعتين بخروج الوقت في حق المسافر، ولو نام خلف الإمام حتى خرج الوقت انتبه أتمها أربعا، ولو تكلم بعد خروج الوقت أو قبل خروجه يصلي ركعتين عندنا كذا في البدائع. (قوله: وبعكسه صح فيهما)، وهو اقتداء المقيم بالمسافر فهو صحيح في الوقت وبعده؛ لأن صلاة المسافر في الحالين واحدة والقعدة فرض في حقه غير فرض في حق المقتدي وبناء الضعيف على القوي جائز، وقد {أم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسافر أهل مكة وقال أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر»، وهو جمع سافر كركب جمع راكب ويستحب أن يقول ذلك بعد السلام كل مسافر صلى بمقيم لاحتمال أن خلفه من لا يعرف ، ولا يتيسر له الاجتماع بالإمام قبل ذهابه فيحكم حينئذ بفساد صلاة نفسه بناء على ظن إقامة الإمام ثم إفساده بسلامه على رأس الركعتين وهذا محمل ما في الفتاوى إذا اقتدى بالإمام لا يدري أمسافر هو أم مقيم لا يصح؛ لأن العلم بحال الإمام شرط الأداء بجماعة ا هـ. لا أنه شرط في الابتداء لما في المبسوط رجل صلى الظهر بالقوم بقرية أو مصر ركعتين وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم فصلاتهم فاسدة سواء كانوا مقيمين أم مسافرين؛ لأن الظاهر من حال من في موضع الإقامة أنه مقيم والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه، فإن سألوه فأخبرهم أنه مسافر جازت صلاتهم ا هـ. وفي القنية، وإن كان خارج المصر لا تفسد ويجوز الأخذ بالظاهر في مثله، وإنما كان قول الإمام ذلك مستحبا؛ لأنه لم يتعين معرفا صحة سلامه لهم فإنه ينبغي أن يتموا ثم يسألوه فتحصل المعرفة واختلفوا هل يقوله بعد التسليمة الأولى أو بعد التسليمتين الأصح الثاني كذا في السراج الوهاج، ولو قام المقتدي المقيم قبل سلام الإمام فنوى الإمام الإقامة قبل سجوده رفض ذلك وتابع الإمام، فإن لم يفعل وسجد فسدت؛ لأنه ما لم يسجد لم يستحكم خروجه عن صلاة الإمام قبل سلام الإمام وقد بقي ركعتان على الإمام بواسطة التغير فوجب عليه الاقتداء فيهما فإذا انفرد فسدت بخلاف ما لو نوى الإمام بعدما سجد المقتدي فإنه يتم منفردا فلو رفض وتابع فسدت لاقتدائه حيث وجب الانفراد كذا في فتح القدير، وفي الخانية والخلاصة مسافر أم قوما مقيمين فلما صلى ركعتين نوى الإقامة لا لتحقيق الإقامة بل ليتم صلاة المقيمين لا يصير مقيما، ولا ينقلب فرضه أربعا ا هـ. وفي العمدة مسافر سبقه الحدث فقدم مقيما يتم صلاة الإمام ويتأخر ويقدم مسافرا يسلم ثم يتم المقيم صلاته، وفي الخلاصة مسافر أم مسافرين فأحدث فقدم مسافرا آخر فنوى الثاني الإقامة لا يجب على القوم إن يصلوا أربعا ا هـ. وفي الهداية وإذا صلى المسافر بالمقيم ركعتين سلم وأتم المقيمون صلاتهم؛ لأن المقتدي التزم الموافقة في الركعتين فينفرد في الباقي كالمسبوق إلا أنه لا يقرأ في الأصح؛ لأنه مقتد تحريمة لا فعلا والفرض صار مؤدى فيتركها احتياطا بخلاف المسبوق؛ لأنه أدرك قراءة نافلة فلم يتأد الفرض فكان الإتيان أولى ا هـ. وفي الخانية لا قراءة عليهم فيما يقضون، ولا سهو عليهم إذا سهوا، ولا يقتدي أحدهم بالآخر ا هـ. فلو اقتدى أحدهم بالآخر فسدت صلاة المقتدي؛ لأنه اقتدى في موضع يجب عليهم الانفراد وصلاة الإمام تامة كذا في البدائع وفي القنية اقتدى مقيم بمسافر فترك القعدة مع إمامه فسدت فالقعدتان فرض في حقه وقيل لا تفسد وهي نفل في حق المقتدي ا هـ. (قوله: ويبطل الوطن الأصلي بمثله لا السفر ووطن الإقامة بمثله والسفر والأصلي)؛ لأن الشيء يبطل بما هو مثله لا بما هو دونه فلا يصلح مبطلا له وروي أن عثمان رضي الله عنه كان حاجا يصلي بعرفات أربعا فاتبعوه فاعتذر، وقال: إني تأهلت بمكة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تأهل ببلدة فهو منها» والوطن الأصلي هو وطن الإنسان في بلدته أو بلدة أخرى اتخذها دارا وتوطن بها مع أهله وولده، وليس من قصده الارتحال عنها بل التعيش بها وهذا الوطن يبطل بمثله لا غير، وهو أن يتوطن في بلدة أخرى وينقل الأهل إليها فيخرج الأول من أن يكون وطنا أصليا حتى لو دخله مسافرا لا يتم قيدنا بكونه انتقل عن الأول بأهله؛ لأنه لو لم ينتقل بهم، ولكنه استحدث أهلا في بلدة أخرى فإن الأول لم يبطل ويتم فيهما وقيد بقوله بمثله؛ لأنه لو باع داره ونقل عياله وخرج يريد أن يتوطن بلدة أخرى ثم بدا له أن لا يتوطن ما قصده أولا ويتوطن بلدة غيرها فمر ببلده الأول فإنه يصلي أربعا؛ لأنه لم يتوطن غيره، وفي المحيط، ولو كان له أهل بالكوفة، وأهل بالبصرة فمات أهله بالبصرة وبقي له دور وعقار بالبصرة قيل البصرة لا تبقى وطنا له؛ لأنها إنما كانت وطنا بالأهل لا بالعقار، ألا ترى أنه لو تأهل ببلدة لم يكن له فيها عقار صارت وطنا له، وقيل تبقى وطنا له؛ لأنها كانت وطنا له بالأهل والدار جميعا فبزوال أحدهما لا يرتفع الوطن كوطن الإقامة يبقى ببقاء الثقل وإن أقام بموضع آخر ا هـ. وفي المجتبى نقل القولين فيما إذا نقل أهله ومتاعه وبقي له دور وعقار ثم قال وهذا جواب واقعة ابتلينا بها وكثير من المسلمين المتوطنين في البلاد، ولهم دور وعقار في القرى البعيدة منها يصيفون بها بأهلهم ومتاعهم فلا بد من حفظها أنهما وطنان له لا يبطل أحدهما بالآخر وقوله لا السفر أي لا يبطل الأصلي بالسفر حتى يصير مقيما بالعود إليه من غير نية الإقامة، وكذا لا يبطل بوطن الإقامة وأما وطن الإقامة فهو الوطن الذي يقصد المسافر الإقامة فيه، وهو صالح لها نصف شهر، وهو ينتقض بواحد من ثلاثة بالأصلي؛ لأنه فوقه وبمثله وبالسفر؛ لأنه ضده أطلقه فأفاده أن تقديم السفر ليس بشرط لثبوت الوطن الأصلي ووطن الإقامة فالأصلي بالإجماع ووطن الإقامة فيه روايتان ظاهر الرواية أنه ليس بشرط، وفي أخرى عن محمد إنما يصير الوطن وطن إقامة بشرط أن يتقدمه سفر، ويكون بينه وبين ما صار إليه منه مدة سفر حتى لو خرج من مصره لا لقصد السفر فوصل إلى قرية ونوى الإقامة بها خمسة عشر يوما لا تصير تلك القرية وطن الإقامة، وإن كان بينهما مدة سفر لعدم تقدم السفر، وكذا إذا قصد مسيرة سفر وخرج فلما وصل إلى قرية مسيرتها من وطنه دون مدة السفر نوى الإقامة بها خمسة عشر يوما لا يصير مقيما، ولا تصير تلك القرية وطن الإقامة مثاله قاهري خرج إلى بلبيس فنوى الإقامة بها نصف شهر ثم خرج منها، وإن قصد مسيرة ثلاثة أيام وسافر بطل وطنه ببلبيس حتى لو مر به في العود لا يتم، وإن لم يقصد ذلك، وخرج إلى الصالحية، فإن نوى الإقامة بها نصف شهر أتم بها وبطل وطنه ببلبيس حتى لو عاد إليه مسافرا لا يتم، وإن لم ينو الإقامة بها لم يبطل وطنه ببلبيس حتى يتم إذا دخله وإن عاد إلى مصر بطل الوطنان حتى لو عاد إليهما في سفرة أخرى لا يتم إذا لم ينو الإقامة، ولم يذكر المصنف رحمه الله وطن السكنى، وهو المكان الذي ينوي أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يوما تبعا للمحققين قالوا: لأنه لا فائدة فيه؛ لأنه يبقى فيه مسافرا على حاله فصار وجوده كعدمه وذكر الشارح أن عامتهم على أنه يفيد في رجل خرج من مصره إلى قرية لحاجة، ولم يقصد السفر، ونوى أن يقيم فيها أقل من خمسة عشر يوما فإنه يتم فيها؛ لأنه مقيم ثم خرج من القرية لا للسفر ثم بدا له أن يسافر قبل أن يدخل مصره وقبل أن يقيم ليلة في موضع آخر فسافر فإنه يقصر، ولو مر بتلك القرية ودخلها أتم؛ لأنه لم يوجد ما يبطله مما هو فوقه أو مثله ا هـ. وصحح في السراج الوهاج المجمع عدم اعتباره وقول الشارح، ولو مر بها أتم لا يصح؛ لأن السفر باق لم يوجد ما يبطله، وهو مبطل لوطن السكنى على تقدير اعتباره؛ لأن السفر يبطل وطن الإقامة فكيف لا يبطل وطن السكنى فقوله؛ لأنه لم يوجد ما يبطله ممنوع. (قوله: وفائتة السفر والحضر تقضى ركعتين وأربعا) لف ونشر مرتب أي فائتة السفر تقضى ركعتين وفائتة الحضر تقضى أربعا؛ لأن القضاء بحسب الأداء بخلاف ما لو فاتته في المرض في حالة لا يقدر على الركوع والسجود حيث يقضيها في الصحة راكعا وساجدا أو فاتته في الصحة حيث يقضيها في المرض بالإيماء؛ لأن الواجب هناك الركوع والسجود إلا أنهما يسقطان عنه بالعجز فإذا قدر أتى بهما بخلاف ما نحن فيه فإن الواجب على المسافر ركعتان كصلاة الفجر، وعلى المقيم أربع فلا يتغير بعد الاستقرار. (قوله: والمعتبر فيه آخر الوقت) أي المعتبر في وجوب الأربع أو الركعتين عند عدم الأداء في أول الوقت الجزء الأخير من الوقت، وهو قدر ما يسع التحريمة، فإن كان فيه مقيما وجب عليه أربع، وإن كان مسافرا فركعتان؛ لأنه المعتبر في السببية عند عدم الأداء في أول الوقت إن أدى آخره وإلا فكل الوقت هو السبب ليثبت الواجب عليه بصفة الكمال وفائدة إضافته إلى الجزء الأخير اعتبار حال المكلف فيه فلو بلغ صبي أو أسلم كافر وأفاق مجنون أو طهرت الحائض أو النفساء في آخر الوقت بعد مضي الأكثر تجب عليهم الصلاة، ولو كان الصبي قد صلاها في أوله وبعكسه لو جن أو حاضت أو نفست فيه لم يجب لفقد الأهلية عند وجود السبب، وفائدة إضافته إلى الكل عند خلوه من الأداء أنه لا يجوز قضاء عصر اليوم وقت التغير في اليوم الآتي، ولو كان السبب هو الجزء الأخير لجاز وتمام تحقيقه في كتابنا المسمى بلب الأصول مختصر تحرير الأصول وسيأتي في الجمعة أن المعتبر أول الوقت في وجوبها واعتبر زفر رحمه الله تعالى في السببية الجزء الذي يلزمه الشروع فيه، واختاره القدوري كما في البدائع؛ لأن الوقت جعل سببا ليؤدي فيه فإذا تأخر عن أول الوقت وبقي مقدار ما يسع الركعتين يجعل سببا فيتغير فرضه، وإن لم يبق مقدار ذلك كان السبب أول الوقت، وهو كان مقيما حينئذ إلا أنه يشكل عليه ما إذا أقام المسافر في آخر جزء من الوقت فإن عليه أربع ركعات اتفاقا كذا في المصفى فيحتاج زفر إلى الفرق قيدنا بعدم الأداء أول الوقت؛ لأنه لو صلى صلاة السفر أول الوقت ثم أقام في الوقت لا يتغير فرضه كذا في الخانية وذكر في الخلاصة رجل صلى الظهر في منزله، وهو مقيم ثم خرج إلى السفر وصلى العصر في سفره في ذلك اليوم ثم تذكر أنه ترك شيئا في منزله فرجع إلى منزله لأجل ذلك ثم تذكر أنه صلى الظهر والعصر بغير وضوء قالوا: يجب عليه أن يصلي الظهر ركعتين والعصر أربعا، ولو صلى الظهر والعصر، وهو مقيم ثم سافر قبل غروب الشمس والمسألة بحالها يصلي الظهر أربعا والعصر ركعتين ا هـ. قيد بالصلاة؛ لأن المعتبر في الصوم أول جزء من اليوم حتى لو أسلم بعد طلوع الفجر لا يلزمه صوم ذلك اليوم لكونه معيارا. (قوله: والعاصي كغيره) أي في الترخص برخص المسافر لإطلاق النصوص، ولأن السفر الموجب للرخص ليس بمعصية إنما هو فيما جاوره كخروجه عاقا لوالديه أو عاصيا على الإمام أو آبقا من مولاه أو خرجت المرأة بلا محرم أو في العدة أو قاطعا للطريق وقد تكون بعده كما إذا خرج للحج أو للجهاد ثم قطع الطريق، والقبح المجاور لا يعدم المشروعية أصلا كالصلاة في الأرض المغصوبة والبيع وقت النداء فصلح السفر مناطا للرخصة. (قوله: وتعتبر نية الإقامة والسفر من الأصل دون التبع أي المرأة والعبد والجندي) تفسير للتبع؛ لأن الأصل هو المتمكن من الإقامة والسفر دون التبع لكن لا يلزم التبع الإتمام إلا بعد علمه بنية المتبوع كما في توجه الخطاب الشرعي وعزل الوكيل، وقيل يلزمه كالعزل الحكمي، وهو أحوط كما في فتح القدير، وهو ظاهر الرواية كما في الخلاصة والأول أصح؛ لأن في لزوم الحكم قبل العلم حرجا وضررا، وهو مدفوع شرعا بخلاف الوكيل فإنه غير ملجإ إلى البيع فإن له أن لا يبيع فيمكنه دفع الضرر بالامتناع عن البيع فإذا باع بناء على ظاهر أمره ولحقه ضرر كان الضرر ناشئا من جهته من وجه ومن جهة الموكل من وجه فيصح العزل حكما لا قصدا وهاهنا التبع مأمور بقصر صلاته منهي عن إتمامها فكان مضطرا فلو صار فرضه أربعا بإقامة الأصل، وهو لا يشعر به لحقه ضرر عظيم من جهة غيره بكل وجه وأنه منفي كذا في المحيط وشرح الطحاوي، وعلى هذا فما في الخلاصة من أن العبد إذا أم مولاه في السفر فنوى المولى الإقامة صحت حتى لو سلم العبد على رأس الركعتين كان عليهما إعادة تلك الصلاة ا هـ. وكذا العبد إذا كان مع مولاه في السفر فباعه من مقيم والعبد كان في الصلاة ينقلب فرضه أربعا حتى لو سلم على رأس الركعتين كان عليه إعادة تلك الصلاة ا هـ. مبني على غير الصحيح إن فرض عدم علم العبد أو على الكل إن علم أطلق في تبعية المرأة والجندي، وقيدوه بأن تستوفي المرأة مهرها المعجل وإلا فلا تكون تبعا فالعبرة بنيتها؛ لأن لها أن تحبس نفسها عن الزوج للمعجل دون المؤجل ولا تسكن حيث يسكن هو وبأن يكون الجندي يرزق من بيت المال، وإن كان رزقه في ماله فالعبرة لنيته؛ لأن له أن يذهب حيث شاء لطلب الرزق وأطلق في العبد فشمل القن والمدبر وأم الولد وأما المكاتب فينبغي أن لا يكون تبعا؛ لأن له السفر بغير إذن المولى فلا يلزمه طاعته، وليس مراد المصنف قصر التبع على هؤلاء الثلاثة بل هو كل من كان تبعا لإنسان ويلزمه طاعته فيدخل الأجير مع مستأجره والمحمول مع حامله والغريم مع صاحب الدين إن كان معسرا مفلسا، فإن كان مليا فالنية إليه؛ لأنه يمكنه قضاء الدين فيقيم في أي موضع شاء وأما الأعمى مع قائده، فإن كان القائد أجيرا فالعبرة لنية الأعمى، وإن كان متطوعا في قيادة تعتبر نيته والعبد بين شريكين إذا سافر معهما ثم نوى أحدهما الإقامة قيل لا يصير العبد مقيما لوقوع الشك في صيرورته مقيما فيبقى مسافرا وقيل يصير مقيما ترجيحا لنية الإقامة احتياطا لأمر العبادة كذا في المحيط ومحله ما إذا لم يكن بينهما مهايأة، فإن كان بينهما مهايأة في الخدمة فإن العبد يصلي صلاة الإقامة وإذ خدم المولى الذي لم ينو الإقامة يصلي صلاة السفر، وفي نسخة القاضي الإمام العبد إذا خرج مع مولاه، ولا يعلم سير المولى فإنه يسأله إن أخبره أن مسيره مدة السفر صلى صلاة المسافرين، وإن كان دون ذلك صلى صلاة الإقامة، وإن لم يخبره بذلك إن كان مقيما قبل ذلك صلى صلاة الإقامة، وإن كان مسافرا قبل صلى صلاة المسافرين كذا في الخلاصة، وفي القنية مسافر ومقيم اشتريا عبدا الأصح أن العبد يصلي صلاة المقيم ودخل تحت الجندي الأمير مع الخليفة كما في الخلاصة وفيها وعلى هذا الحجاج إذا وصلوا بغداد شهر رمضان، ولم ينووا الإقامة صلوا صلاة المقيمين ا هـ. وظاهره أن الحجاج تبع لأمير القافلة، وليس كذلك، ولا ينبغي إدخاله في هذا المبحث بل علته أنهم لما علموا أن القافلة لا تخرج إلا بعد خمسة عشر يوما نزل ذلك منزلة نيتهم الإقامة نصف شهر كما علل به في التجنيس، وفي المحيط مسلم أسره العدو إن كان مسيرة العدو ثلاثة أيام يقصر، وإن كان دون ذلك يتم وإن لم يعلم يسأل، كما مر في العبد، ولو دخل مسافر مصرا فأخذه غريمه فحبسه، فإن كان معسرا قصر؛ لأنه لم ينو الإقامة، ولا يحل للطالب حبسه، وإن كان موسرا إن عزم أن يقضي دينه أو لم يعزم شيئا قصر، وإن عزم واعتقد أن لا يقضيه أتم والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
|